في حادثة أليمة هزّت الرأي العام المحلي، فقدت الشابة سمر، البالغة من العمر 19 سنة، حياتها داخل معمل "رندة" ببن عروس. سمر لم تكن سوى ابنة عائلة بسيطة، دفعتها قسوة الظروف لتحمل مسؤولية أمها المريضة وشقيقتها الصغيرة، قبل أن تجد نفسها ضحية جديدة لانعدام شروط السلامة المهنية في المصانع التونسية.
بداية القصة: طفولة مسروقة وهموم أكبر من العمر
ولدت سمر في بيت متواضع ببن عروس، وسط ظروف صعبة جعلتها تتحمل أعباءً لم تكن في سنها. كان حلمها مواصلة الدراسة والعيش مثل باقي الفتيات، لكن مرض والدتها أجبرها على دخول سوق العمل مبكرًا لتأمين لقمة العيش.
ظروف عمل قاسية داخل معمل رندة
اضطرت سمر للعمل في معمل "رندة"، أحد أشهر المصانع في قطاع الصناعات الغذائية. ورغم الأرباح الكبيرة التي يحققها، فإن العاملين يؤكدون أنّ المعدات قديمة ومتقادمة، وأن ظروف العمل صعبة للغاية.
- ساعات عمل طويلة تصل إلى 12 ساعة يوميًا.
- أجر لا يتجاوز 500 دينار شهريًا.
- غياب شروط السلامة والرقابة الصارمة.
يوم الحادثة المروعة
في صباح يوم عمل عادي، غادرت سمر منزلها وقالت لوالدتها: "نمشي نخدم بش نداويك". لم تكن تعلم أنّها تودعها إلى الأبد.
وأثناء عملها، وبينما كانت تتفقد مصعد البضائع، علق رأسها بشكل مفاجئ تحت آلة قديمة، ليلقى جسدها الضعيف حتفه في لحظة صادمة. الشهود من زملائها ذكروا أنّ آخر كلماتها كانت: "يا ميمتي"، صرخة وجع اختزلت حبها الكبير لوالدتها ومعاناتها منذ الصغر.
تاريخ من الحوادث في نفس المصنع
لم تكن حادثة سمر الأولى. حسب شهادات العمال:
- سقوط أكياس ضخمة من الفارينة على عدد من العاملين
- إصابة عاملة وبتر ساقها بعد سقوط مروحة صناعية
- حوادث متكررة بسبب عربات نقل البضائع "الشريول"
- حالات إغماء بسبب ظروف العمل في غرف تبريد تصل حرارتها إلى -30 درجة
ورغم هذه الكوارث، لم تُتخذ أي إجراءات حقيقية لضمان السلامة أو صيانة المعدات.
تعويضات "صفرية" لعائلة مكلومة
الصدمة لم تتوقف عند فقدان سمر، بل تضاعفت بعد أن علمت عائلتها أنّ التعويضات المالية كانت زهيدة جدًا، وُصفت بأنها "صفرية". مبلغ ضئيل لا يعكس حجم الخسارة ولا يمكن أن يعوض حياة شابة في عمر الزهور، كانت السند الوحيد لأسرتها.
هذا الموقف كشف استهتار بعض المؤسسات الكبرى بحياة العمال، حيث تُقاس الأرواح عندها بأرقام لا تساوي شيئًا أمام أرباحها الضخمة.
غياب الرقابة وصمت السلطات
هذه المأساة أعادت إلى الواجهة ملف شروط السلامة المهنية في تونس، حيث القوانين موجودة على الورق، لكن الرقابة ضعيفة والجزاءات غير رادعة. النتيجة: آلاف العمال والعاملات يواجهون الخطر يوميًا في صمت، دون حماية حقيقية أو حقوق مضمونة.
كلمة ختام موقعنا
رحيل سمر لم يكن مجرد حادث عرضي، بل هو جرس إنذار يؤكد أنّ أرواح العمال ليست أرقامًا يمكن تجاهلها. إنقاذ حياة آلاف "سمر" في تونس يبدأ من:
فرض شروط صارمة للسلامة المهنية
تفعيل الرقابة الجدية
ردع المؤسسات التي تستهتر بسلامة عمالها
رحم الله سمر، ورحم كل ضحايا الإهمال والاستهتار بأرواح البسطاء